التنمية البشرية.. طريقك السريع للفشل!

  • Home
  • التنمية البشرية.. طريقك السريع للفشل!
Shape Image One

هل تعاني من أزمة عاطفية، أو تجد عثرات في طريق الثروة الطائلة؟ أو ربما تتمثل أزمتك في وظيفة لا تجدها في وطن تعصف به البطالة؟ لا بأس إذن؛ لأن شخصًا ما، يرتدي حِلّة أنيقة ويحمل في سيرته الذاتية عددًا غير منطقي من الشهادات، سيقرر أن كل تلك الأمور بسيطة وسهلة الحل.

فأزمتك العاطفية ستزول خلال محاضرة -أو دورة- يلقيها عليك هذا المُدرِّب العالمي [1]، وكذا فإن أزمة العمل لديك ستنتهي بعد عدد من الساعات، فتخرج موقنًا أن أي فشل سيتبعه نجاح، حتى لو لم تحلّل هذا الفشل، وأن كل شيء في الحياة ممكن ما دمت تقنع نفسك بذلك. أو ربما تخرج من المحاضرة لتكون -أنت الآخر- مُدرِّبًا يستقبل الأموال من جيوب الراغبين في محاربة أزمة عاطفية أو البحث عن وظيفة في وطن تعصف به البطالة.

كل ما عليك فقط هو أن تُجهِّز تصميمًا أنيقًا يحمل صورتك برداءٍ رسمي، موضوعة بجانبها قائمة من الشهادات الأكاديمية من جامعات العالم أجمع تقريبًا، واترك البقية لعنوان محاضرتك الجذّاب والهالة التي سيصنعها لك المنظِّمون. هذه الأمور وغيرها يذكرها الكثيرون ممن تعرضوا لنقد هذه الظاهرة، ومنهم الدكتور “طارق السويدان” الذي رأى أن هذه الشكليات والمظاهر هي ما تصنع رونق هذه المحاضرات وتجذب إليها الشباب.

حيث يقول إن هذه الدورات التي يلقيها مدرّبون عديمو الخبرة والأهلية تفتقد للإفادة الحقيقية والموضوعية؛ إذ أن المُحاضِر يعمد من خلال الصيحات والهتاف والألعاب الحركية إلى إقناع الحضور بمُسلّمات وبدهيات يصدّرها في مظهر العلوم، وأنه -أي “السويدان”- قد تتبع بنفسه شهادات أحد هؤلاء المحاضرين؛ ليجدها من جامعة غير معترف بها، وأن ثلاثة آلاف من الدولارات كافية للحصول على شهادة مماثلة خلال شهر واحد.

فهم “لا يتكلمون عن العلاج بالحمام ولا الأعشاب، هم يتكلمون عن علم، في تصوير لأرقى أشكال النصب وأفخمها لشباب العصر المحروم من كل شيء، والذي تعده فجأة بأن يسيطر على عقول الآخرين ويؤثر فيهم ويأخذ منهم أفضل شيء ممكن”[2]

فحسب أحد المواقع المهتمة بالتنمية البشرية [3]، فإن السيولة الحادثة في هذا الأمر، والتي أدت لما يشبه “مدرب تنمية بشرية لكل مواطن” قد أسهمت في صنع منافسة غير صحية بين المدرّبين ومراكز التنمية البشرية؛ لتظهر فئة جديدة من المدربين اختزلت التنافس والبحث عن الجديد في تغيير بعض شرائح “البوربوينت”، وزيادة بعض التمارين التافهة، والدخول إلى العرض بصورة سينمائية فارغة.

فهل يمكن قبول ما يقدمه هؤلاء في مظهر العلم؟ أو بالأحرى: هل ثمة مجال لقبول التنمية البشرية من حيث المبتدأ في ثوب العلوم الموضوعية، أو المعارف الإنسانية؟ أم أن للأمر أبعاد أُخرى يُخرجها من هذه المساحة من الأساس؟

في البدء كانت الثروة

فيما قبل الرأسمالية الصناعية، انقسمت الرؤى حول الثروة إلى رافدين رئيسيين [4]: رافد “الماركنتيليون” الذين وصفوا الثروة باعتبارها تراكمًا للذهب والفضة وأن القيمة لا تتحقق إلا من خلال الربح التجاري، وهي الرؤية التي سادت في أوربا خلال فترات الكشوف الجغرافية بالقرن الخامس عشر واستجلاب العمالة الزهيدة للتعدين.

ورافد “الفيزيوقراطيين” الذين رأوا مصدر الثروة الأمثل ينبع من الأرض واستصلاح الأراضي الشاسعة بالأمريكتين، وهي الرؤية التي سادت خلال القرن السابع عشر، وبالتالي يصبح كل من الذهب والفضة تعبيرين نقديين عن قيمة الثروة التي تنتجها الأرض، وبما أن المستخدم في عمليات الزراعة الشاسعة، أو التعدين من قبل، “ليسوا إلا العبيد والعمالة الوطنية الزهيدة، لذا فلم يكن ثمة داع للاهتمام بالعمل، أو العامل بتعبير أدق”[4].

ومع ظهور كتاب “ثروة الأمم” لرائد الليبرالية الاقتصادية “آدم سميث” والذي “شكّل معالم الانتقال من الحقبة الماركانتيلية والحقبة الفيزيوقراطية، برز الاهتمام الأكبر بموضوع (العمل)”[4]، واضعًا (العامل) في بؤرة اهتمام ذوي رأس المال، مما تحتّم عليه إيجاد وسائل تطويرية له وتحسين العمل “بحيث يتناهى العرض آخر الأمر إلى خانة إشباع رغبة المستهلك؛ لتأتي بعدها، المقولات الأساسية في التنمية البشرية متماهية مع هذه الرؤية التي تحول الإنسان/العامل إلى وسيلة، بغرض إشباع حاجة المستهلك [4].

فالتنمية البشرية، من هذه الرؤية، يمكن فهمها كسوق يسوده العرض والطلب، “وتلجأ سياسات التسويق فيه لاصطناع حاجة وهمية لدى المستهلك، واختلاق رغبة زائفة لديه، وإقناعه بأنه لن يشبعهما سوى بضاعة تجار التنمية البشرية”[5]، لذا يمكن تحليل هذه الظاهرة من خلال ربطها بالسياق السياسي والاقتصادي العالمي، “فمنتوجات ما يسمى بالتنمية البشرية لم تر النور إلا في سياقٍ رأسمالي ليبرالي، قائم على اقتصاد الخدمات والشركات متعددة الجنسيات، وما يرافقهما من قيم وانحيازات وآليات للحراك الرأسي والترقي والاستبعاد”[5].

وهو ما يتقارب مع تصريح “زيج زيجلار”، في كتابه “أراك على القمة” أو (See You at the Top)، حول ارتباط كتابه ووصفاته السحرية وخطوات النجاح التي ابتكرها بالنظام الاقتصادي الرأسمالي في بلده، الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك فإن كثيرا من محاضري التنمية البشرية الرأسمالية يتحدثون بوضوح عن “عدم قابلية تطبيق ما يقدمه في مجتمع اشتراكي”[5].

فالتنمية بهذا المفهوم ” تحمّل الفرد مسؤوليات فوق مسؤولياته الطبيعية، وتعفي الدولة ضمنيًا من التزاماتها في التعليم والتدريب والتشغيل وحماية الفرص العادلة والمتكافئة”[5]، كما إن “غالب مقولات التنمية البشرية تميل إلى إعادة تعريف الوقت بحيث يصبح الوقت المفيد “هو الذي تبذل فيه جهدا يعود عليك بالمنفعة”. و(المنفعة) هذه لا يتم تعريفها إلا في إطار الرؤية التسابقية نحو تكديس الثروة”[4].

تحت الحصار

في نقد فلسفي لمفهوم تطوير الذات (Human Development)، أو التنمية البشرية في حالتنا، يخرج لنا “إيريك هوفر”[5] ليخبرنا أن ذلك النموذج الذي تطرحه الحضارة الغربية أمام الشعوب المتخلفة لا يأتي إلا ومعه الإحباط الفردي كضريبة ملاصقة.

ومع ظهور كتاب “ثروة الأمم” لرائد الليبرالية الاقتصادية “آدم سميث” والذي “شكّل معالم الانتقال من الحقبة الماركانتيلية والحقبة الفيزيوقراطية، برز الاهتمام الأكبر بموضوع (العمل)”[4]، واضعًا (العامل) في بؤرة اهتمام ذوي رأس المال، مما تحتّم عليه إيجاد وسائل تطويرية له وتحسين العمل “بحيث يتناهى العرض آخر الأمر إلى خانة إشباع رغبة المستهلك؛ لتأتي بعدها، المقولات الأساسية في التنمية البشرية متماهية مع هذه الرؤية التي تحول الإنسان/العامل إلى وسيلة، بغرض إشباع حاجة المستهلك [4].

فالتنمية البشرية، من هذه الرؤية، يمكن فهمها كسوق يسوده العرض والطلب، “وتلجأ سياسات التسويق فيه لاصطناع حاجة وهمية لدى المستهلك، واختلاق رغبة زائفة لديه، وإقناعه بأنه لن يشبعهما سوى بضاعة تجار التنمية البشرية”[5]، لذا يمكن تحليل هذه الظاهرة من خلال ربطها بالسياق السياسي والاقتصادي العالمي، “فمنتوجات ما يسمى بالتنمية البشرية لم تر النور إلا في سياقٍ رأسمالي ليبرالي، قائم على اقتصاد الخدمات والشركات متعددة الجنسيات، وما يرافقهما من قيم وانحيازات وآليات للحراك الرأسي والترقي والاستبعاد”[5].

وهو ما يتقارب مع تصريح “زيج زيجلار”، في كتابه “أراك على القمة” أو (See You at the Top)، حول ارتباط كتابه ووصفاته السحرية وخطوات النجاح التي ابتكرها بالنظام الاقتصادي الرأسمالي في بلده، الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك فإن كثيرا من محاضري التنمية البشرية الرأسمالية يتحدثون بوضوح عن “عدم قابلية تطبيق ما يقدمه في مجتمع اشتراكي”[5].

مقتبس من : https://1-a1072.azureedge.net/midan/intellect/sociology/2018/2/28/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%B3%D8%AA%D8%B2%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9

اترك تعليقاً